دائما وفي نطاق مشروع تصحيح موروثنا الإسلامي ومراجعته.... وللذين يبحثون عن الحقيقة بشأن الصحابة رضي الله عنهم أقول :
ارتأيت أن أدرج موضوعا منفردا عن الصحابة الكرام وما يتعلق بالمفهوم، كرد على كل ما يدور من نزاع مفتعل وغير مقبول حول هذه القضية في مواضيع متفرقة بهذا المنتدى. والذي لم أكن أريد التدخل فيها لأني أمتنع عن الدخوا في مهاترات أراها طائفية بالأساس وغير قائمة على أي دليل أو بينة.
والتطرق لهذا الموضوع هو لهدفين محددين :
أولا : قفل الباب على كل من يحاول اللعب بهذه القضية خدمة لطائفة معينة أو لمذهب معين، وفي نفس الوقت توضيح ما يقره الإسلام بشأنهم دون التحيز للمذهب المخالف.
ثانيا : قفل الباب أمام من يلعب بورقة الصحابة لتمرير خطابات ومفاهيم مغلوطة عن الإسلام، مستغلين عدم معرفة العامة من الناس بمفهوم الصحابة بشكل عام.
بداية وقد أشرنا من قبل في موضوع آخر، أن مصطلح الصحابة مصطلح مستحدث واختلف فيه السلف قبل الخلف، ولكننا سنفترض قبول المعنى المتداول والشائع لفك النزاع القائم في هذا الموضوع والذي لا يستدعي كل هذا الحنق من الطرفين الرئيسيين.
لأن المشكلة ليست في وجود صحابة بقدر ماهي مشكلة تحديدهم وتحديد الفائدة من معرفتهم مادمنا لسنا مكلفين بذلك.
بداية سنقول أن الصحابة هم من صاحبوا النبي وصاحبهم بكل ما تعني الصحبة من معنى. والآية الوحيدة التي يمكن القياس بها في المسألة هي التي تتكلم عن أبي بكر رضي الله عنه الذي كان مع النبي في الغار :
وعلى هذا الأساس لا يجب بكل حال من الأحوال أن نقحم أي أحد ممن عاصروا النبي ونعتبرهم صحابيين للرسول. وأظن أنه لن يخالف ما قلناه إلا من يتكلم لغة أخرى لا وجود لها !! وأعتقد أن الإجماع القائم لحد الآن حول الصحابة يقتصر على الخلفاء الراشدين وبعضا ممن ذكروا في التراث يعدون على رؤوس الأصابع.
وأنا هنا لن أدخل في متاهات أضاع فيها السلف أكثر من الوقت اللازم ولم يجتمعوا على رأي واحد، ولكني سأركز على طرفين أساسيين في الموضوع الذي ولكي نكون موضوعيين وجب القول أن كلا طرفي النزاع يملك نصف الحقيقة وليس كلها !!!!
1. فالذين يستدلون بآيات يرون فيها أنها تخص الصحابة كآية :
أو غيرها من الآيات لا تخص فقط الصحابة بل تشمل الصحابة وغير الصحابة من المؤمنين، سواء الذين هاجروا مع النبي أو الأنصار أو من تبع هؤلاء ممن عاصروا النبي ولم يعاصروه، ويستمر ذلك إلى يوم الحساب.
وعلى أساس المفهوم الذي ذكرناه حول الصحابة، لا يمكن أن يكونوا بهذا الكم الهائل الذي تصوره بعض السلف، لأن النبي وبمنزلته التي كان عليها لا يعقل أن يصاحب هذا الكم الهائل من الناس ويصطحبهم في جلساته ويناقشهم في أمور الدنيا والدين !!!
ونصف الحقيقة التي أتكلم عنها بالنسبة لهؤلاء هي : أن الصحابة شيء منطقي وجوده، وهم يدخلون في زمرة من قصدهم الله في آياته.
غير أن النصف الثاني من الحقيقة هو ما يملكه الطرف الثاني وهو المتمثل في النقط التالية : - مفهوم الصحابة ليس بالشكل الذي يتصوره هؤلاء والذي استكثره السلف بشكل غير معقول. - لا يمكن حصرالصحابة بشكل يقيني، لأنه من غير المنطقي أن يأتي التابعون ومن تبعهم أن يقرروا من يكون الصحابي ممن لا يكون بهذه السهولة التي تم بها ذكرهم، فتصبح القضية مذهبية وطائفية بالأساس. دون أن ننسى أنه في النهاية ليس هناك فائدة تذكر من معرفتهم اللهم الاستئناس بسيرتهم التي نقبل منها ما يليق بهم وبمكانتهم لأنه من المفروض حسن الظن بهم. وأن نعتبرهم من السلف الصالح ومن المؤمنين دون أن نعطي لذلك التقدير بعدا آخر يتجاوز طبيعتهم البشرية.
2. أما الذين يستدلون بآيات يرون فيها أن من بين الصحابة من كانوا منافقين :
أو من افتروا على عائشة رضي الله عنها : إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ
فهذه أكبر مغالطة ارتكب هذا الطرف الثاني، ومنهم الشيعة، الذين أولوا الآيات تحت حسابات مذهبية وطائفية.
فالآية الأولى لا تعني الصحابة ولا يمكن لها أن تكون كذلك، لأن النبي لا يمكن له أن يصاحب المنافقين، لأنه بكل بساطة، المنافقون لم يكونوا يجاهدون مع النبي في حروبه، ومن السهل على الرسول أن يعرف المنافقين من أصحابه لو كانوا كذلك.
وهذه الآية تتحدث عن الأعراب ونفر من أهل المدينة الذين يعتبرون من عامة الناس، ولا يصلون إلى درجة الصحبة
أما الآية الثانية فهي تتحدث عن الذين افتروا على زوجة النبي رضي الله عنها، المعروفة بحادثة الإفك، والذين لا يمكن أن يكونوا من صحابة النبي، فهم أيضا من عامة الناس.
وهذا النوع من التأويلات ليس لها أي أساس قرآني أو عقلي منطقي، بل هو مجرد أوهام مبنية على روايات سنية وشيعية.
وهذا ما حذرنا ونحذر منه مرارا وتكرارا ونحاول أن نبين للناس أن كل الروايات يجب تخضع للفحص الجدي الممنهج والمرتكز بالأساس على ما جاء في القرآن الكريم.
وأي كلام يخالفه ويخالف روح العق والمنطق الذي تأسس على منهج القرآن، مرفوض بتاتا.
في الختام أؤكد أن :
الصحابة رضي الله عنهم كانوا من الناس الذين يجب أن نقدرهم ونحترمهم وأن لا نسيئ إليهم بأي حال من الأحوال : أولا : لأنه مهما قيل في السيرة من أشياء حولهم، تبقى مجرد روايات وقصص لا تلزمنا في شيء. ثانيا : هم ميتون ولا يجوز التعرض للموتى بأي كلام أو غمز أو لمز، فلا تجوز عليهم إلا الرحمة.
في المقابل : ليس هناك أي فائدة تذكر من معرفتهم عبر عدهم أو تحديدهم بشكل لا يمكن أن يضيف أي قيمة إضافية اللهم الاستئناس بما قاموا به وما قالوه، مع التعامل بحذر مع كل ما أتى في السيرة.
أولا : لأنه مجرد تاريخ يمكن أن تجد فيه الوضع والدس ويمكن أن تجد فيه الصحيح. وبالطبع لا يمكن أن نقبل إلا ما هو خير عنهم ونعتبره صحيحا. ثانيا : لأن هناك اختلاف على تعريفهم وعلى عددهم وعلى عصرهم و... فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نجزم بشيء أو أن نحسم في تحديدهم.
كما لا يجب أن ننسى أنهم بشر لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نضعهم في مكانة غير التي وضعهم فيها سبحانه حين اعتبرهم من المؤمنين الصالحين وكفى.
والخلاصة :
النزاع القائم حول الصحابة ما هو إلا خلاف لم يخلقه إلا الروايات على تناقضها والتي انبنت بالأساس على أساس مذهبي وطائفي، أعطت الفرصة للأعداء قبل الأصدقاء بالنيل من الإسلام والمسلمين.
فعودوا إلى بارئكم وتحروا الحقيقة والتمسوها في كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه.
الرئيسية 
الخميس نوفمبر 22, 2018 2:28 pm
موضوع: لتوضيح ما يمكن توضيحه بشأن الصحابة الكرام رضي الله عنهم 
الثلاثاء مايو 24, 2011 2:33 pm
