الحمد لله رب العالمين ، خالق الأكوان ومصرِّفِ الأمورِ والأعوامِ وعالم الأحوالِ ، والصلاة والسلام على رسوله الكريمِ خيرِ الأنامِ والمبعوث رحمةً للعالمينَ وعلى من سار على نهجِهِ واقتفى من آثارِهِ العظيمة الكريمة وصراطِهِ المستقيمِ . أما بعد::
لا شكَّ أنَّ نِعَمَ اللهِ على عبادِهِ كثيرةٌ لا يُحصيها أحَدٌ ، وأنَّ أعظَمَ نعمةٍ على الناسِ هي نعمة الإسلامِ هذا الدين العظيم الذي يهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ في الدنيا والآخرة..
فمن طَبَّقَ الإسلامِ في دُنياهُ عاشَ سيِّدًا مسرورًا عالِمًا بربِّهِ شاكرًا له وحامِدًا وعابِدًا مُطْمَئِنًا وآمِنًا وسعيدًا في الآخرة . ونحن المسلمون بإذن الله ملوك الآخرة نأكُل من كل الثمرات ، ونشرب أطيب الشراب خمرًا ولبنًا وعسلًا وماءً غير آسِنٍ.
نَلْبِسُ الحُلَلَ والذهب والتيجان.. وغيره مما لا يعلمه إلا الله من نعيمٍ دائمٍ..
وأهل الجحيم في النار يعذبون لا يستنقذون ، ويستغيثون فلا مغيث ، ويطلبون الماء من أهل الجنة فيكون الجواب (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ) سورة الأعراف آية 50
أخواني الكرام ، يا عِزَّ الإسلامِ ، لولا اللهُ لما اهتدينا ولما صليَّنا ولما دخلنا الجنانَ ولما غُفِرَ لنا ، ولو شاء الله لجعل الناس أمَّةً واحِدةً لكنْ جعلَ للجنة مِلأها وللنار كذلك.
يقول عز وجل في سورة الم السجدة آية 13 (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )
نِعَمُ اللهِ يا عبادَ اللهِ أكثر من أنْ نعلمَها أو نُحصيها ، لقد أسبغها علينا ظاهرة وباطنة ، قال تعالى في سورة لقمان آية 20 : ((أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ))
قال أبو الفداء ابن كثير في تفسيره مُعَلِّقًا على الآيات : يقول تعالى منبها خلقه على نعمه عليهم في الدنيا والآخرة بأنه سخر لهم ما في السماوات من نجوم يستضيئون بها في ليلهم ونهارهم وما يخلق فيهامن سحاب وأمطار وثلج وبرد وجعله إياها لهم سقفا محفوظا وما خلق لهم في الأرض من قرار وأنهار وأشجار وزروع وثمار وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة من إرسال الرسل وإنزال الكتب وإزاحة الشبه والعلل ثم مع هذا كله ما آمن الناس كلهم بل منهم من يجادل في الله أي في توحيده وإرساله الرسل ومجادلته في ذلك بغير علم ولا مستند من حجة صحيحة ولا كتاب مأثور صحيح ولهذا قال تعالى « ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير » أي مبين مضيء.
فبعدَ نِعْمَةِ الإسلامِ والصحة والعافية ماذا تريدُ أنْ تُعَدِّدْ يا أخي الكريم ؟؟
نِعْمَةُ البصرِ التي تُدرِكَ بها الأشياءَ وترى الألوان النضرة الخضرة ، وترى أمَّكَ وأباكَ وأهلك وترى الطُّرُقات فلا تَعْثُرُ ، وتعرفُ الأذى فلا تَعْبُرُ.
وتحفظها من النظر إلى النساء وتتبع عورات المسلمين.
وحاسةُ السمع تسمع بها ما يَسُرُّكَ مِنْ كلام الله العزيز وسنة نبيه الكريم ، وتحفظها من الأغاني ولهو الشياطين.
وحاسة الشمِّ تَشُمُّ الطِّيبَ فتُحِبُّهُ ، وما سواهُ مِنْ سوءٍ فَتَكُبُّهُ ( ترميه ولا تلتفت إليه ).
حاسة اللمس باليدين ، وسبحان الله الخالق العظيم البارئ المصور ، لقد صنع العلماء robot آلي يضاهئون به خلق الله ولكن هيهات!! ليست الصورة كالأصل ، ولا المقلِّدُ كالخالقِ البارئ المصوِّرِ. هذه اليدُ بِدِقَّتِها وإحكامِ إمساكِها بالأدواتِ الصغيرةِ فَضْلًا عن كوْنِها هي التي صنعت هذا الإنسان الآلي كما يزعمون في تسميته.
فعليك بها أن تعمل لكسب رزقك وأن لا تبطش بالعبادِ بها ..
( حدثنا عبيد الله بن موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه)
وفي الصحيح « خ6243 م2657 » عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لامحالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق وزنا الأذنين الإستماع وزنا اليدين البطش وزنا الرجلين الخطى والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه رواه البخاري تعليقا ومسلم مسندا
كونَكَ تقرؤ كلامي فهذه نعمة ، فكم من شخصٍ لا يقرؤ ولا يكتُبُ ؟ ، وكونك تملِكُ جهازًا كهذا في منزلك نعمة.
صحتك نعمة فحافظ على نفسك ، لا تشرب الخمور ولا سجائر ولا حشيشًا ولا مُسْكِرًا .
أموالُك نعمة. تصدَّقْ بها لتكون في ظل صدقتك يوم القيامة ، ولا تبذر أموالكَ فتكون أخًا للشياطين !!
قال تعالى : وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً()إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً() سورة الإسراء آيات 26-27
أي أن تُسْرِفَ في معصية الله بالإنفاق حتى لو يسيرًا فهذا تبذير ، ولو تصدقت بمالٍ كثير فهذا ليس بتبذير.
هذه نِعَمٌ لو عدَدَّتها لم تصل لرَقَمٍ ، ولو حاولتَ إحصاءها ما قدرت ولَعَجِزْتَ !
نعودُ للآياتِ الكريمة : ففي سورة النحل آية 18 (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )
وفي سورة إبراهيم آية 34 (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) فهنا اختلف الخطاب في النص ولكن المعنى واحد ، فالله عز وجل أخبرنا أنَّهُ استجاب لنا بما يصلحنا من خيراتٍ وأمورٍ لصالحِ حياتِنا.
وأمرنا ألَّا نُحصي نِعَمَهُ فَنَزْدَريها وأنْ نَظُنَّ أنَّنا أتمَمْنا شُكْرَها فهذا لا يقدر عليه أحد.
ففي الآية الأولى يقول ابن كثير في تفسيره : أي يتجاوز عنكم ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك ولو أمركم به لضعفتم وتركتم ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم ولكنه غفور رحيم يغفر الكثير ويجازي على اليسير وقال ابن جرير يقول إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته رحيم بكم لا يعذبكم بعد الإنابة والتوبة
وعن سورة إبراهيم يقول في تفسيره : وقوله « وآتاكم من كل ما سألتموه » يقول هيأ لكم كل ما تحتاجون اليه في جميع أحوالكم مما تسألونه بحالكم وقالكم وقال بعض السلف من كل ما سألتموه ومالم تسألوه وقرأ بعضهم « وآتاكم من كل ما سألتموه ومالم تسألوه » وقوله « وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها » يخبر تعالى عن عجز العباد عن تعداد النعم فضلا عن القيام بشكرها كما قال طلق بن حبيب رحمه الله إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد ولكن أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين وفي صحيح البخاري « 5458 » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم لك الحمد غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا
فالله عز وجل يعلم أنَّا لا نطيقُ شكْرَ نِعَمِه ولا نقدر على ذلك ولكن رَضِيَ مِنّّا بالقليلِ فضلا منه ونِعْمَةً.
وفي سورة النحل وصف نفسه بالرحمة والغفران على قلة شركنا لنعمه. وفي سورة إبراهيم وصف الإنسان بأنَّهُ ظلومٌ كفَّارٌ كثيرُ الشكوى والتذمُّرِ وطَلَبِ النعِمَ فإذا تأخَّرَتْ لحكمَةِ الله في تأخيرِ الدعاءِ ضَجِرَ وتأفأفْ وقَدْ يصِلُ به الحالُ للكُفْرِ عياذًا بالله من ذلك.
الله عز وجل يرضى منا بأن نعبدَهُ لا نُشْرِكِ به شيئًا ، ونحمده ونشكره فاللهمَّ لك الحمْدُ والشُّكْرُ.
فلفظة الحمد لله ، تملأ الميزان سبحان الله تخيَّلْ فقط أن تقول الحمد لله ملأت ميزانك حسناتٍ
ماذا لو قلت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ماذا لو أكثرت من قول لا إله إلا الله في اليوم والليلة، وماذا لو أكثرت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
نسألُ الله العليم القدير أن يهدينا سواء السبيلِ ، ويجعلنا حامدين شاكرين له.
هذا ما كتبه العبد الفقير لله محمد جهاد (الموقِنُ بالله)
يوم الجمعة الخامس عشر من رجب لعام 1432 هـ ، الموافق 17/6/2011
وإن كان صوابًا فمن الله وحده ، وإن كان خطئًا فمني ومن الشيطان.
ونسأل الله العفو والعافية وأن يغفر لنا ولأهلينا وللمؤمنين والمؤمنات..
هذا وصلى الله على نبيه الكريم محمد وآله وصحبه وسلمَّ تسليما كثيرا.
الرئيسية 
الخميس نوفمبر 22, 2018 2:28 pm
موضوع: نعم الله الكبيرة علينا 
السبت يونيو 18, 2011 11:26 am
