تتغير الصورة كثيرا في السوق هذه الأيام وبصورة سريعة أيضا. ففي الوقت الذي تواصل فيه أسواق الأسهم انخفاضها والعملات عالية المخاطر انخفاها أيضا إلا أن ذلك لم يساعد الذهب الذي اعتاد على الارتفاع في الأوقات المشابهة لذلك وسجل انخفاضا هو الأخر ليكون الدولار الأمريكي هو المرتفع الوحيد تقريبا مقابل كل شيء أسهم - عملات - سلع.

ولكن ما الذي جعل السوق يتغير إلى هذا الحد؟

للننظر أولا ما الذي كان يجعل الذهب على سبيل المثال يسجل ارتفاعا الفترة الماضية، كان الذهب يمثل الملاذ الآمن للمتعاملين في الأوقات التي تشتد فيها حدة الأزمات المالية فكان المتعاملون يثقون في الذهب على أنه سوف يحفظ لهم القيمة الخاصة بأموالهم فيستطيعون في تلك الحالة مواجهة الارتفاع المستمر في معدلات التضخم للحفاظ على القوة الشرائية لرؤوس أموالهم، وبالتالي فإن الذهب كان يمثل عامل ثقة بالنسبة للمتعاملين وليس وسيلة حقيقية للاستثمار بسبب توقعات بارتفاع الطلب عليه في المستقبل.

ولكن عندما يقوم البنك المركزي السويسري بربط سعر الفرنك السويسري باليورو لمنع استمرار ارتفاعه فإن ذلك أثار تحفظ المتعاملين بصورة كبيرة في السوق. حيث أن الفرنك السويسري أيضا كان من العملات التي تعتبر من الملاذ الآمن للمتعاملين في حالات شدة الأزمات المالية وعندما تم سلب ذلك الأمر منهم، أصبح هناك تخوف لدى المتعاملين من كل الأصول الآمنة بأن يتم إصدار قرارات في أي وقت تمنع استمرار ارتفاعها، لأن استمرار ارتفاع أي أصل مهما كان فإنه يفيد طرف من الأطراف (المشتري لتلك الأصول) ولكن في نفس الوقت فإن له ضرر من ناحية أخرى على (التجار على تلك الأصول) فتجارة الذهب أصبحت مهددة بالخطر في الوقت الحالي نظرا لارتفاع الأسعار بصورة كبيرة مما كان سينتج عنه أجلا أم عاجلا وجود قرارات تحاول الحد من استمرار ارتفاع الذهب. ومع وصول الذهب إلى تلك المناطق المرتفعة يبدو أن المتعاملين في السوق أصبحوا أكثر حذرا فلم يتوجهوا لشراء الذهب على الرغم من ارتفاع المخاطرة بصورة كبيرة في السوق اليومين الماضيين.

وبهذا فإن الفرنك السويسري والذهب تم حذفهما من قائمة الأصول الآمنة بالنسبة للمتعاملين في أوقات الأزمات وبهذا لم يتبق أمامهم سوى الدولار الأمريكي والين الياباني ولأن السيولة كانت موزعة على أصول كثيرة وأصبحت الآن مركزة على عملتين فقط، فكان من الطبيعي أن تكون ارتفاعات الدولار أعلى وأقوى مما سبق.

وبشكل عام كان من المعروف ومن المتوقع لدى الجميع أن الدولار الأمريكي سوف يسجل ارتفاعا على المدى الطويل وبقوة خاصة مع استمرار انخفاض عوائد السندات الأمريكية مقابل الأوروبية مما يعني ارتفاع الطلب على السندات الأمريكية مقارنة بالسندات الأوروبية وبالتالي ارتفاع الطلب على الدولار الأمريكي لشراء تلك السندات.

والجدير بالذكر فإن البيانات الاقتصادية تؤيد تلك الرؤية طويلة الأجل أيضا فعلى سبيل المثال فإن البيانات الأوروبية الصادرة يوم أمس كانت كلها سلبية تقريبا، حيث صدرت خلال تعاملات يوم أمس بيانات حول القراءة المراجعة للناتج المحلي الإجمالي الأوروبي على المعدلات السنوية 1.6% وهي قراءة أقل من القراءة الأولى للتقرير مما يعني أن ارتفاع القراءة السابق كان سببه معدلات التضخم فقط وليس بسبب ارتفاع معدلات الإنتاج نفسه، وفي نفس السياق فقد صدرت بيانات حول طلبات المصانع الألمانية والتي سجلت انخفاضا مما يشير إلى ضعف النشاط الصناعي الألماني والتي تعتبر أقوى اقتصاد أوروبي، وكل تلك العوامل كانت سببا في تحفظ المتعاملين واتجاههم نحو الدولار الأمريكي.

في النهاية لا تحتاج الصورة إلى مزيد من التوضيح، الدولار الأمريكي من المتوقع أن يواصل ارتفاعه على المدى الطويل كما كان معروفا من قبل ولا تزال الرؤية كما هي، الجديد في الأمر أنه أصبح من الصعب علينا في الوقت الحالي توقع استمرار الذهب في الصعود هو الأخر لذلك قد يحصل الدولار الأمريكي على الأضواء وحده على مدار الأسابيع القادمة.

مقدم برعاية شركة
HDFX Market
لادارة الحسابات والتوصيات
www.hdfxmarket.com